الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

ايــهـا العالم ... رجاءا اغسل يديك






ليس بالضرورة ان تكون بروفيسور اقتصاد او اختصاصي علم اجتماع او حتى فيلسوف كثير الحديث عن الانثربوبوجيا و السوسيلوجيا و كل ما "يخلع" من وزن الـ "ــجيا" و تحجز لك مقعدا على باقة الجزيرة لتقول العالم ليس بخير لا لا لا. . .لا تحتاج لمشاهدة مسلسل ميكسيكي من نشرات الاخبار و لا قراءة كيلومترات من الجرائد و اطنان من الكتب لتخبرنا بان العالم ليس بخير ,العالم يعاني ,النهاية اقتربت, حضارتنا مهددة ,البشر في خطر , الامر لم يبقى حكرا خرّيجي الهارفورد و السوربون , و لم يعد حتى يقبل الإدراج في قائمة الاخبار المهمّة , العالم ليس بخير و من يكترث .

العالم ليس بخير .. و متى كان بخير , تتلاعب به شرائط الاخبار العاجلة التي تزف لنا في كل حين بشرى سلام هنا و طبول حرب هناك اجتماع بين اعداء الضفة و تناحر بين اخوان الضفة الاخرى جفاف بقريتنا بينما تغرق قرية جيراننا , بيتزا هات تقدم مليون قطعة مجانا و موسى يقتل زميله لاجل قطعة حلوى السّمنة تهدد سكان الشمال و الجوع يحاصر اهل الجنوب , جون تحول الى جوليات و جوليات تعقد قرانها مع الكلب جاك بمباركة الكنيسة التي تندد بدورها بالفاشية الاسلامية , ستيف حامل في شهره الرابع و يختار ليلي اسما لابنته .

العالم مزدحم , الكثير من الاخبار الكثير من الاحداث الكثير من الاقنعة, انها قمّة الحضارة التي حدثنا عنها قدماء اليونان, بلايير الدولارات تصرف على مخابر الجمال التي خرّجت لنا بلايير الدكاترة في الشامبو و علماء في الصابون , اختصاصيون في الكريم و خبراء في الاظافر بلغوا من الرقي ما بلغوا حتى انتجوا شامبو خاص بكل شعرة و بلسم مرطب لكل بشرة و كريم لكل وجه ومسحوق غسيل لكل ثوب , دولارات حولّت كل اوروبي جميل الى اوروبي اجمل و كل هندي الى امريكي انيق و كل سمراء افريقية الى شقراء اوروبية حتى وان كانت جينيا سمراء المرآة تقول هي شقراء .

بينما كنت اشاهد اجتماع الملئ من كبار البطون و تجار المآسي حول فقراء الكرة الارضية اتفق هؤلاء على رمي بضع اكياس على الجياع من السماء لإطعامهم كاسماك الزينة كانت المذيعة بالقناة الاخرى تتحدث عن بيع قفاز مايكل جاكسون بـ 350 الف دولار و بيع رسالة الرئيس جورج واشنطن بـ 3.2 مليون دولار و مزاد لبيع البسة رياضية اشبعت بعرق اللاعبين بـ ملايين الدولارات , و اكبر صحن كبسة بالسعودية بالاضافة لاكبر فستان زفاف بلبنان , و من بين اكبر كعكة و اجمل مرأة و احسن لوحة و اروع اغنية لاجمل فنان و العشرة ملايين دولار لاجمل فيلم و احسن لاعب , من بين فواصل كريستيان ديور الاعلانية و منتوجات دوف الجديدة من اعلى ناطحة سحاب امريكية و اروع جزيرة اصطناعية بدبي جاء الفاصل الاعلاني الابرز ليقول للانسان اغسل يدك و امسح انفك بالمنديل .

انه السقوط من اعلى القمّة و الكابوس من بعد الحلم الجميل , حتى اصبح مدير العالم قائد امريكا العظمى يحثّ شعبه غسل الايدي بالماء و الصابون, أي سقوط هذا و أي كابوس هو , كم كانت هوليود مخطئة و هم من كانو يظنّون ان فناء العالم سيكون على ايدي سكان المريخ او بصخرة فضائية ضلّت طريقها او حتى بغضب بحر هائج .. لكنّ الكلمة كانت لخنزير خرج من تحت الوحل و القذارة ليصنع لنفسه تاريخا و يزاحم كبار الملئ بالفضائيات العالمية و يجبر العالم على غسل يديه .

و اصبح اليوم الموت سلعة رائجة ببورصة الغرب المتحضّر , و ادرج الخنزير على قائمة الابحاث بكبرى المختبرات , مختبرات كانت تستهزء بنا , توزع الاعمار على سكان الارض عبثا كيف تشاء , تارتا الضحك يطيل عمر الانسان و تارتا اخرى كوبين شاي باليوم تسمح لك بالعيش 100 سنة , الجري مع الكلبة كل صباح يمنع الموت المفاجئ ..الجبناء كم يخافون الموت , اليوم بات عنترتهم يخشى لمس ظلّه, يشمّ رائحة لحم فيجري تحليل دم و يبيت بالمشفى كلما عطس يبكي كلما شاهد الاخبار و يرى نعشه بين عينيه كلما سمع بخنزير .

اين خنزيرهم هذا من فوسفورنا الذي نستيقض و ننام على دخانه , و الاباتشي التي تبدد صمت قريتنا كل صباح , اين فيروسهم من اجسادنا المرقعّة بخيط الجراحة , اين فحولهم التي يبكونها بين الفينة و الاخرى من المائة الف التي قضت بغزة و المليون الذين قُبرو بالعراق و نصف سكان افغانستان الذين نسوا تحت الانقاض , على الاقل خنزيرهم يقتل روحا و يبقي جسدا للتاريخ ليس كخنزيرنا اللذي يبقي روحا و ينهش جسدها قطعتا قطعة .

انها النهاية اذا , فلتبكي اوروبا و امريكا و ليهلكوا عن بكرة ابيهم و لنهلك جميعا اذا كانت هذه مشيئة الله , نحن سلمنا نواصينا للموت منذ اول شمس سطعت علينا نحن ولدنا امواتا لم نحلم يوما بزيارة القمر و لا السكن بالمريخ لن نخسر شيئ فنحن لا نملك شيئ و لن تبكينا الدنيا و هي التي رمتنا عن قوس واحدة نحن لا نخشى الموت و لا نبحث عن الحياة فالحياة هنا هي من تبحث عنّا من بين الجثث بعد كل غارة , لن نكلّف احدا عناء دفن جثثنا او بناء مقابر لها فأمثلنا من اعتاد على المقابر الجماعية و الموت بصمت و هدوء .
أيّهــــــــــا العالم ان كانت هذه النهاية و كانت هذه القاضية فالحمد الله انها جاءت على يد خنزير لا يعرف مفاوضات اوسلو و لا طريق السلام لا يفرق بين بائس عراقي و جنتلمان امريكي نحيل اثيوبي و ضخم روسي لا يعترف بحدود و لا حواجز . سنقابها بالصدر لا بالظّهر و بأيدي نظيفة فهي السّمة الوحيدة التي طبعت حياتنا ايدي فارغة نظيفة.